هل مفهوم القراءة الحرة لدينا قاصر على قراءة القصص والروايات فحسب ؟

هل مفهوم حب القراءة قاصر على قراءة القصص والروايات فحسب ؟

لو لاحظنا فإن أفضل الأدباء والكتاب والمؤلفين كانوا الكتاب السابقين القدماء ..
وهؤلاء السابقون لم تكن في أزمانهم الروايات الموجودة في أزماننا الآن.
فمن أين أتت تلك الأفضلية والثراء اللغوي والكتابي ؟

من الأرجح أن هؤلاء لم يكن اهتمامهم منصبا على قراءة القَصص فحسب، فإن كثيرا من الفقهاء كان يعتبر القصص المصنوعة غير الحقيقية كذب يأثم كاتبه، لذا لم يؤثر الكثير من نقل القصص والروايات الموضوعة.
لا سيما وأن علماء السلف كانوا من أشد المحاربين للوعاظ بالقصص المكذوبة، وكانوا يسمون أصحابها القصاصين، ومن طالع كتب الآثار لوجد أخبارا كثيرة ومصنفات عدة في ذم القُصّاص أو القصاصين.

خصوصا بعد أن عمد كثير من هؤلاء القصاصين إلى تركيب أسانيد لقصصهم لإضفاء الشرعية عليها على نسق ما كان يفعل المحدثون والمؤرخون بل وكتاب الأدب من ذكر إسناد ومرجع أي خبر وعزو كل قول إلى قائله، بخلاف أبناء اليوم للأسف.
وذلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من لقمة عيشهم وأكلهم الأموال بالباطل.

وقد انبرى بعدها العلماء الغيورون لدحض أكاذيبهم وكشف زيف أخبارهم، فيما سمي بكتب (الموضوعات) و (أحاديث القصاص).

كان هذا حال الروايات والقصص في الأزمان القديمة.

لذا ـ بغض النظر عن الحكم الشرعي للقصص ـ ألم نتساءل من أين اكتسب هؤلاء الكتاب الماهرين أسلوبهم وحصيلتهم وثرائهم اللغوي ليتركوا لنا هذا التراث الكبير الذي لم يستطع أحد من زماننا مضاهاته ؟

في الواقع كان لدى العرب الكثير من القصص التي تروى وهي مذكورة إلى الآن في بطون كتب الأدب والتاريخ، لكن هذه القصص لم تكن سوى قصص حقيقية واقعة لأخبار وحكايات مسندة لأصحابها في الغالب، مع إن بعضها أيضا قد لا يسلم من التحريف أو الكذب، لكن علم الأسانيد قد طال هذه الكتب ليفند كل رواية وقصة تاريخية لم تثبت في التاريخ العربي والإسلامي.

لذا طالب الكاتب النصراني (أسد رستم) المؤرخين عامةً بتطبيق ما أسماه (مصطلح التاريخ) ـ كما هو عنوان كتابه ـ على نسق مصطلح أو علم الحديث الذي يقضي بالحكم على أسانيد الروايات في كتب التاريخ والسير قبل كتب الحديث والآثار.

أيضا لا تخفى براعة السابقين في دراسة علوم العربية منذ نعومة أظفارهم من بلاغة وصرف ونحو وعلم اللغة نفسه (وهو ما يمكن تفسيره للبعض بعلم المعاجم ومعاني الكلمات) مما لا يوجد عند أفضل مدرسي العربية في زماننا فوا أسفاه.

ولم يبق لنا إلا تدارك ما يمكن تداركه، وتعلم الفتات مما يمكن تعلمه، من فنون العربية التي طغت عليها لوثات غربية صرفتها عن المعين العربي الخالص الذي نهل منه السابقين وتركوا لنا شيئا منه، فهل نحن مقبلون عليه ؟

تعديل الرسالة…

هل تريد التعليق على التدوينة ؟